تعتبر ذاكرة الكتب مرآة تعكس العلاقات المصرية الإيرانية التي شهدت تحولات متعددة على مر العصور فكلما تغيرت المعادلات الاستراتيجية في المنطقة تظهر فرص جديدة لإعادة تشكيل هذه العلاقات التاريخية العميقة فالتعاون الثقافي والاقتصادي بين البلدين يمكن أن يسهم في تعزيز الروابط المشتركة ويعكس كيف يمكن للكتب أن تلعب دوراً مهماً في فهم هذه الديناميكيات المتغيرة حيث تظل ذاكرة الكتب شاهدة على الأحداث والتطورات التي شكلت مسار العلاقات بين مصر وإيران مما يتيح لنا فرصة استكشاف آفاق جديدة في المستقبل.

العلاقات المصرية الإيرانية: قراءة شاملة لتاريخ معقد

في كتابه المتميز «العلاقات المصرية الإيرانية.. قرن من التفاعلات المضطربة»، يقدم الدكتور سعيد الصباغ تحليلًا عميقًا لتاريخ العلاقات بين القاهرة وطهران، منذ بداية القرن العشرين وحتى العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، حيث يستعرض الكتاب جذور الخلافات وأسباب التقارب، بالإضافة إلى محطات التحالف والتنافر التي مرّت بها هذه العلاقات، والتي لم تكن يومًا مستقرة بل اتسمت بتقلبات شديدة بين الود والصدام.

السياق التاريخي للعلاقات

يبدأ الكتاب بسياق تاريخي يعود إلى ما قبل تأسيس الدول الحديثة، حيث كان للروابط الثقافية والمذهبية والتجارية دور بارز في تشكيل العلاقات بين ضفتي الخليج والبحر الأحمر، ومع بداية القرن العشرين، بدأت العلاقات السياسية تتبلور بشكل فعلي، إذ تبادل الجانبان البعثات الدبلوماسية، وظهرت العلاقات بطابع ودّي حذر حتى منتصف القرن، ومع قيام ثورة يوليو 1952 في مصر، برز التباين الأيديولوجي والسياسي بين البلدين كعامل مؤثر في مسار العلاقة.

التغيرات الكبرى وتأثيرها على العلاقات

في عهد الملك فاروق، كانت مصر تميل إلى الغرب، بينما كانت إيران تحت حكم الشاه في تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، ومع صعود جمال عبد الناصر، اتجهت السياسة المصرية نحو دعم حركات التحرر الوطني، مما أدى إلى توتر العلاقات مع طهران التي تمسكت بالتحالف مع واشنطن، ورغم الخلافات، لم تصل العلاقات إلى حد القطيعة، بل ظلت قنوات الاتصال مفتوحة، لكن مع الثورة الإسلامية عام 1979، انقلبت الموازين، حيث اعتبرت طهران اتفاقية كامب ديفيد خيانة، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1980.

آفاق مستقبلية للعلاقات

مع مرور الوقت، بدأت محاولات خجولة لإعادة بناء جسور التواصل، خاصة في ظل تغيرات إقليمية كبرى، ومع نهاية الثمانينيات، ظلّت العلاقات محكومة بسقف منخفض من التنسيق، ولكن بعد ثورة 2011، فتحت التحولات السياسية نافذة جديدة للتقارب، ومع ذلك، لم تؤد تلك المحاولات إلى تطبيع شامل، إذ ظلت الخلافات قائمة، ومع تصاعد التحديات الإقليمية، اتخذت العلاقات مسارًا أكثر براجماتية، حيث أبدت مصر استعدادًا للتعامل مع إيران وفق أسس احترام السيادة.

في النهاية، يؤكد الصباغ أن مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية مرهون بعدة عوامل، من بينها تطورات الملف النووي، ومصير الصراعات الإقليمية، والعلاقات المصرية الخليجية، مما يجعل العلاقة بين البلدين ليست قدرًا محتومًا، بل مسارًا قابلًا لإعادة التشكيل، مما يعكس ديناميكيات واحدة من أكثر العلاقات السياسية تعقيدًا في الشرق الأوسط.